بصفتي خبير محاسبة معتمدًا ومسجلًا لدى محاكم أبو ظبي، أتيحت لي الفرصة لتقديم رأيي المهني في العديد من النزاعات التجارية. وخلال مسيرتي، شاهدت مرارًا وتكرارًا كيف يمكن أن تتحول الأخطاء الصغيرة إلى معارك قانونية كبيرة تكلف الشركات، والأفراد جهداً، ووقتًا، ومالًا.
اليوم، أود أن أشارك معكم إحدى هذه القضايا - ليس فقط كدرس مستفاد، ولكن كقصة تحمل عبرة. إنها قصة عن كيف يمكن لأخذ الأمور كأمر مسلم به أن يؤدي إلى عواقب غير متوقعة، وعن كيف يمكن لغياب الوثائق البسيطة أن يُفاقم النزاعات. سواء كنت صاحب عمل أو موظفًا، فإن هذه القصة بمثابة تنبيه بأهمية اتخاذ خطوات استباقية لحماية حقوقك والتزاماتك.
من خلال هذه المشاركة والمشاركات القادمة، أهدف إلى تسليط الضوء على أبرز المشكلات التي تواجهها الشركات، بناءً على تجربتي العملية، بهدف تقديم نصائح عملية تساعدك على تجنب الوقوع في نفس الأخطاء. لنبدأ.
الحلقة رقم 1 لسنة 2025 "النزاعات المتعلقة بالعمل": -
عندما تبدأ العمل في شركة جديدة، غالبًا ما يبدو كل شيء مثاليًا. تُوقع عقود العمل بسهولة، تُصرف الرواتب بانتظام، وتُمنح الإجازات دون عوائق. في هذه اللحظات، نميل جميعًا إلى أخذ الأمور كأمر مسلم به، معتقدين أن الاستقرار سيدوم إلى الأبد، دون أن نفكر فيما قد يحدث إذا انقلبت الظروف فجأة.
قبل فترة، كنت أعمل على قضية عُرضت أمام محكمة أبو ظبي. كان المدعي موظفًا يعمل في شركة منذ عدة سنوات. في البداية، كانت العلاقة بينه وبين الشركة تسير بشكل جيد، ولكن بسبب أسباب غير متوقعة، قررت الشركة إنهاء خدماته بشكل مفاجئ. على الرغم من أن الموظف لم يكن يتوقع إنهاء الخدمة في ذلك الوقت، إلا أن الشركة كان لديها مبررات خاصة بها لاتخاذ هذا القرار.
بعد فترة من الإنهاء، بدأ الموظف يطالب بمستحقاته المالية المتأخرة، بما في ذلك الرواتب التي لم تُدفع، وبدل نهاية الخدمة، وبدل الإجازات. على الجانب الآخر، كانت الشركة تُصر على أنها قد سوت جميع مستحقاته وأنه لا يوجد شيء مديون له. ولكن المشكلة كانت كبيرة: لم يكن لدى أي من الطرفين الوثائق الكافية لدعم موقفه.
من جهة الموظف:
عند إبلاغه بقرار الفصل، بدأ الموظف بمراجعة حقوقه المالية مثل مستحقات الرواتب المتأخرة، بدل نهاية الخدمة، وبدل الإجازات. لكنه وجد نفسه في موقف ضعيف لأنه لم يحتفظ بأي وثائق تدعم موقفه: لا نسخ من عقد العمل، ولا كشوف الرواتب، ولا حتى أي تأكيدات خطية بشأن إجازاته.
من جهة الشركة:
الشركة من جانبها كانت تعتقد أنها في وضع آمن، لكنها لم تكن تحتفظ بسجلات واضحة ومحدثة لتوثيق ما تم دفعه للموظف خلال فترة عمله. وعندما طلبت المحكمة أدلة لدعم موقفها، لم تتمكن من تقديم مستندات كافية.
العواقب:
غياب الوثائق جعل القضية معقدة وأدى إلى تداعيات كبيرة لكلا الطرفين:
1. الموظف لم يتمكن من إثبات كافة حقوقه، مما أثر سلبًا على مستقبله المالي.
2. الشركة واجهت أضرارًا مالية بسبب قرار المحكمة الذي أُصدر بناءً على أدلة غير كافية.
العبرة:
في الحياة العملية، الأمور قد تتغير في أي لحظة. لذلك، من المهم أن تكون مستعدًا دائمًا:
للشركات: الاحتفاظ بسجلات دقيقة ومحدثة يعزز موقفها القانوني ويجنبها النزاعات.
للموظفين: الاحتفاظ بنسخ من الوثائق الهامة يحمي حقوقهم ويمنحهم الثقة إذا حدثت أي خلافات.
النصائح:
للشركات:
1. تأكد من توثيق جميع العقود، الرواتب، والإجازات بشكل، واضح، ومنظم.
2. أجرِ تدقيقًا داخليًا منتظمًا لضمان الامتثال للقوانين.
3. احتفظ بسجلات تُظهر جميع المستحقات التي تم دفعها للموظفين.
للموظفين:
1. احتفظ دائمًا بنسخة من عقد عملك وجميع كشوف الرواتب.
2. قم بحفظ أي رسائل إلكترونية أو مراسلات تتعلق بحقوقك أو مستحقاتك.
3. إذا واجهت أي تغييرات في وظيفتك، تأكد من توثيقها كتابيًا.
النهاية:
الحياة المهنية مليئة بالمفاجآت، ولا أحد منا يستطيع التنبؤ بما قد يحدث. ولكن يمكننا أن نكون مستعدين دائمًا من خلال التوثيق السليم والالتزام بالشفافية. فالوثائق ليست مجرد أوراق؛ إنها ضمانة لحقوقك ومستقبلك، سواء كنت صاحب عمل أو موظفًا.
Comentários